مدونة بالعرب - مقالات ونصائح عن ريادة الأعمال والتقنية

هل من الأفضل للشركات الناشئة في الشرق الأوسط الابتكار أم تقليد النماذج الناجحة؟

Written by أحمد صباح | 09/09/24 09:28 ص

في مشهد الأعمال الديناميكي، تواجه الشركات الناشئة في الشرق الأوسط معضلة استراتيجية: هل يجب علينا الابتكار وتقديم شيء جديد تمامًا، أم نتبع النماذج الناجحة القائمة؟ هذه المسألة تصبح أكثر تعقيدًا في منطقة تتميز بتحدياتها الفريدة وفرصها الكبيرة. على الرغم من التأثيرات العالمية والعولمة، تظل الثقافة وأسلوب العمل والتفكير في الشرق الأوسط مختلفين بشكل كبير عن باقي المناطق. هذا يتطلب من الشركات الناشئة التكيف مع السوق المحلي والاحتياجات المتنوعة للعملاء.

ألاحظ أن غالبية رواد الأعمال يتبعون نهجًا مثيرًا للاهتمام؛ حيث يبحثون عن المشكلات في مجتمعاتهم ومن ثم يستوردون حلها من مناطق أخرى من العالم، ثم يعملون على تطبيق الحلول المستوردة مع تعديلات بسيطة لتناسب ثقافة واحتياجات المنطقة المحلية.

هذه الفلسفة المعروفة بـ"لماذا نُعيد اختراع العجلة"، تدفع الكثيرين لبناء الحد الأدنى المناسب للمنتج (MVP) وتجربته بسرعة في السوق. وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة "ستارت أبز مينا" في عام 2023، أظهرت الإحصائيات أن 65% من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط بدأت بنماذج مستوردة من الخارج، ومن ثم عملت على تطويرها وتكييفها لتلبي احتياجات السوق المحلية. من الأمثلة البارزة، شركة "كريم" التي بدأت كنموذج شبيه بـ"أوبر" العالمية، لكنها سرعان ما تكيّفت مع السوق المحلية وقدمت خدمات تتناسب مع الثقافة والاحتياجات الفريدة للمنطقة مثل خاصية النقل المشترك. وكذلك شركة "فودكس" التي قامت بتطوير نموذج إدارة المطاعم بناءً على تجارب ناجحة في أوروبا، وأضافت ميزات تتماشى مع متطلبات السوق المحلية في الشرق الأوسط مثلا عملت على التكامل مع تطبيقات توصيل الطعام المحلية مثل "جاهز" و"هنقرستيشن"، مما يساعد المطاعم في إدارة الطلبات عبر منصات متعددة بشكل سلس.

 

هل البيئة الريادية الشرق أوسطية تشجع على الابتكار من الصفر؟

البيئة الريادية في الشرق الأوسط تحمل في طياتها مزيجًا من الفرص والتحديات التي تميزها عن غيرها من الأسواق الناشئة. رغم وفرة الموارد البشرية والمادية، إلا أن هناك عوامل محددة تعيق الابتكار من الصفر وتزيد من صعوبة بناء شركات مبتكرة بالكامل.

إحدى التحديات الرئيسية هي قلة البيانات والبحوث الدقيقة. تعتمد الكثير من الشركات الناشئة على مصادر بيانات غير مكتملة أو قديمة، مما يعوق قدرتها على تحليل السوق بشكل دقيق واتخاذ قرارات مستنيرة. تشير الإحصائيات إلى أن 65% من رواد الأعمال في المنطقة يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على بيانات دقيقة حول السوق والقدرة الشرائية للعملاء، وفقًا لتقرير صادر عن "ستارت أبز مينا" لعام 2023. هذا النقص في المعلومات يجعل من الصعب تحديد الاحتياجات الحقيقية للسوق وتطوير منتجات مبتكرة تلبي هذه الاحتياجات.

بالإضافة إلى ذلك، التحديات الثقافية والاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في تحديد مسار الابتكار. التقاليد والعادات الاجتماعية قد تعيق بعض الأفكار الجديدة وتمنع تقبل المجتمع للتغيرات الكبيرة. على سبيل المثال، تقنيات مثل الاقتصاد التشاركي قد تواجه مقاومة في بعض المجتمعات التي تفضل الملكية الخاصة والتعاملات التقليدية.

عامل آخر هو نقص الدعم الحكومي والسياسات الداعمة للابتكار. رغم الجهود المبذولة في بعض الدول لتحفيز الابتكار، إلا أن الروتين البيروقراطي واللوائح التنظيمية المعقدة قد تعيق تأسيس وتشغيل الشركات الناشئة. تقارير من البنك الدولي تشير إلى أن 55% من رواد الأعمال في المنطقة يرون أن الإجراءات الحكومية المعقدة تشكل عائقًا كبيرًا أمام إطلاق مشاريعهم.

كما أن التحديات التمويلية لا تزال قائمة، حيث يجد رواد الأعمال صعوبة في الوصول إلى التمويل اللازم لتنفيذ أفكارهم المبتكرة. بينما تتوفر بعض صناديق رأس المال الجريء، إلا أن التركيز غالبًا ما يكون على المشاريع التقليدية ذات المخاطر الأقل. تقرير من "ماجينت" لعام 2023 يشير إلى أن 70% من الشركات الناشئة تعتمد على التمويل الذاتي أو العائلي في مراحلها الأولى بسبب صعوبة الحصول على استثمارات.

بسبب هذه التحديات، يميل العديد من رواد الأعمال إلى تقليد النماذج الناجحة من الأسواق الأخرى لتقليل المخاطر والتكاليف المرتبطة بالابتكار. على الرغم من ذلك، فإن القدرة على تخصيص هذه النماذج لتتناسب مع احتياجات السوق المحلي تظل عاملًا حاسمًا في نجاح هذه الشركات.

 

الفرق بين الابتكار والتقليد في سياق الشركات الناشئة

في عالم الشركات الناشئة، يبرز الابتكار والتقليد كاستراتيجيتين رئيسيتين يمكن اتباعهما لتحقيق النجاح. الابتكار يعني تقديم حلول جديدة وفريدة لحل المشكلات أو تلبية احتياجات السوق، ويتطلب هذا النوع من الاستراتيجية تفكيرًا إبداعيًا، بحثًا معمقًا، واستثمارات كبيرة في البحث والتطوير. الابتكار يتيح للشركات الناشئة التفرد في السوق وخلق ميزة تنافسية قوية، ولكنه يأتي مع مخاطر عالية بسبب عدم التأكد من تقبل السوق للتقنيات أو الأفكار الجديدة.

على الجانب الآخر، يعتمد التقليد على استنساخ نماذج أعمال ناجحة وتكييفها لتلائم السوق المحلي أو الفئة المستهدفة. التقليد يمكن أن يكون أقل تكلفة وأقل مخاطرة مقارنة بالابتكار، لأنه يعتمد على نماذج أثبتت نجاحها بالفعل. ومع ذلك، قد يواجه المقلدون صعوبة في التميز عن المنافسين، خاصة إذا كانت السوق مشبعة بالفعل بنماذج مشابهة.

هل تعتبر جوجل مبتكرين أم مُقلدين؟

عندما نطرح السؤال "هل تعتبر جوجل مبتكرين أم مُقلدين؟"، نجد أن الإجابة ليست بسيطة. بدأت Google كنسخة محسنة لمحركات البحث الموجودة آنذاك مثل Yahoo وAltavista. ما ميز Google في البداية كان خوارزمية PageRank الخاصة بها، التي حسنت بشكل كبير من دقة وفعالية نتائج البحث. بهذا النهج، يمكن اعتبار Google في البداية كمقلدة حسنت نموذجًا موجودًا بالفعل.

ومع ذلك، بعد تحقيق نجاح كبير وجذب قاعدة مستخدمين واسعة، بدأت Google في الابتكار على نطاق واسع. بعد تثبيت موقعها في سوق محركات البحث، استثمرت Google بشكل كبير في تطوير منتجات وخدمات جديدة.

إذن، يمكن القول أن Google بدأت كمُقلدة بحلول محسنة، لكنها سرعان ما أصبحت واحدة من أكثر الشركات ابتكارًا في العالم. لقد استفادت من التقليد في البداية لبناء قاعدة قوية، ثم استثمرت هذه القاعدة في تطوير منتجات وخدمات مبتكرة أحدثت تغييرًا جذريًا في العديد من المجالات.

 

الإيجابيات والسلبيات: الابتكار مقابل التقليد

الابتكار في سوق ناشئ يحمل في طياته العديد من المزايا والعيوب. من أبرز المزايا:

    1. ميزة تنافسية:

      الابتكار يمنح الشركات القدرة على التميز عن المنافسين وتقديم حلول جديدة وفريدة تلبي احتياجات السوق بشكل أفضل.

    2. جذب الاستثمار:

      الشركات المبتكرة غالبًا ما تجذب اهتمام المستثمرين الذين يبحثون عن الفرص الواعدة والجديدة، مما يسهل الحصول على التمويل اللازم للنمو والتوسع.

    3. خلق قيمة جديدة:

      الابتكار يمكن أن يؤدي إلى إنشاء منتجات وخدمات غير مسبوقة، مما يخلق قيمة جديدة للعملاء ويساهم في تحسين جودة حياتهم.

    4. الريادة في السوق:

الشركات المبتكرة التي تقدم حلولًا جديدة قادرة على الريادة في السوق والاستحواذ على حصص كبيرة قبل أن يتمكن المنافسون من اللحاق بها.

مع ذلك، يحمل الابتكار في سوق ناشئ بعض العيوب:

    1. ارتفاع المخاطر:

      الابتكار يتطلب استثمارات كبيرة في البحث والتطوير، مع عدم ضمان نجاح المنتج الجديد في السوق. الفشل يمكن أن يكون مكلفًا جدًا.

    2. التحديات التنظيمية:

      الابتكار قد يواجه عقبات تنظيمية وقانونية، خاصة في الأسواق الناشئة التي قد تكون لديها قوانين غير واضحة أو غير متطورة بشكل كافٍ لدعم التقنيات الجديدة.

    3. صعوبة التبني:

      الحلول المبتكرة قد تواجه مقاومة من السوق المستهدف، حيث يمكن أن يكون المستهلكون غير مستعدين لتبني التغييرات الجديدة بسرعة.

مزايا وعيوب تقليد النماذج الناجحة

من ناحية أخرى، تقليد النماذج الناجحة يأتي مع مجموعة من المزايا والعيوب. من أبرز المزايا:

  1. تقليل المخاطر:

    تقليد نموذج ناجح يقلل من مخاطر الفشل، حيث أن الشركة تستند إلى فكرة أثبتت نجاحها بالفعل في أسواق أخرى.

  2. سرعة الدخول إلى السوق:

    يمكن للشركات التي تقلد نماذج ناجحة أن تدخل السوق بسرعة أكبر، حيث تقل الحاجة إلى البحث والتطوير المكثف.

  3. توفير التكاليف:

    يقلل التقليد من التكاليف المرتبطة بتطوير حلول جديدة من الصفر، مما يسمح للشركات بتوجيه مواردها نحو تحسين وتخصيص المنتج للسوق المحلي.

  4. التعلم من أخطاء الآخرين:

    تقليد نموذج ناجح يمنح الشركات الفرصة لتعلم من الأخطاء والتحديات التي واجهتها الشركات الأصلية، مما يزيد من فرص النجاح.

لكن التقليد يحمل أيضًا بعض العيوب:

  1. نقص التميز:

    الشركات التي تعتمد على التقليد قد تواجه صعوبة في التميز عن المنافسين، مما يجعل من الصعب بناء علامة تجارية قوية ومستدامة.

  2. الاعتماد على الآخرين:

    التقليد يجعل الشركات تعتمد على نجاح الأفكار الأصلية، مما يقلل من قدرتها على الابتكار والتكيف مع التغيرات في السوق.

  3. مخاطر قانونية:

    قد تواجه الشركات التي تقلد نماذج ناجحة مشكلات قانونية مرتبطة بحقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع.

  4. محدودية النمو:

    بينما يمكن للتقليد أن يكون استراتيجية ناجحة على المدى القصير، قد تجد الشركات نفسها محدودة في قدرتها على النمو والتوسع إذا لم تستثمر في الابتكار على المدى الطويل.

 

الابتكار المدعوم بالتقليد: هل هو الحل؟

لنعد الى المثل الذي كنت اسمعه كثيرا من مدرائي "لماذا نعيد اختراع العجلة؟"، وعليه يكون نموذج "الابتكار المستند إلى التقليد" هو الحل الأمثل للشركات الناشئة على الأقل بوجهة نظري. لأن هذا النموذج يجمع بين مزايا الابتكار ومزايا التقليد، مما يسمح للشركات بالاستفادة من الأفكار الناجحة الموجودة وتكييفها مع متطلبات السوق المحلية مع إضافة لمسات إبداعية خاصة بها. بدلاً من بدء كل شيء من الصفر أو تقليد نموذج معين بشكل كامل، يمكن للشركات الناشئة أخذ أساسيات ناجحة وإدخال تحسينات مبتكرة عليها.

اظن من لأفضل لرواد الأعمال البدء بتحليل النماذج الناجحة في الأسواق الأخرى لفهم العناصر التي تجعلها فعالة. يمكن أن يكون هذا من خلال دراسة حالات شركات مثل Google، التي بدأت كمحرك بحث محسّن ثم أصبحت من أكثر الشركات ابتكارًا في العالم، كما ذكرت سابقا. ومن ثم اختيار النموذج المناسب، يحتاج رواد الأعمال إلى تعديل وتكييف هذا النموذج ليتناسب مع الاحتياجات الثقافية والاقتصادية للسوق المحلية. 

وهنا يأتي دور الابتكار. بعد تقليد النموذج الأساسي، يجب على الشركات إضافة ميزات أو تحسينات جديدة تجعل المنتج أو الخدمة فريدة وجاذبة للجمهور المحلي. يمكن أن تكون هذه الابتكارات صغيرة لكنها مؤثرة، مثل تحسين تجربة المستخدم، أو تقديم ميزات إضافية تلبي احتياجات غير مغطاة في السوق.

وانصح رواد الأعمال قبل إطلاق المنتج أو الخدمة بشكل واسع، يجب عليهم اختبار النسخة المبتكرة من النموذج المستنسخ في السوق المحلي. من خلال التجارب الأولية وجمع التعليقات من العملاء، يمكن إجراء تعديلات إضافية وتحسين المنتج بناءً على ردود الفعل. يمكن أن تكون التكنولوجيا أداة قوية في هذا النموذج. استخدام التحليلات والبيانات لفهم سلوك العملاء وتحسين المنتجات بشكل مستمر يمكن أن يعزز من فرص النجاح. على سبيل المثال، يمكن استخدام التحليلات لتحسين حملات التسويق أو لتحديد الميزات الأكثر طلبًا من العملاء.

في نهاية المطاف، نجاح هذا النموذج يعتمد على مدى قدرة الشركة الناشئة على تلبية احتياجات العملاء المحليين. التركيز على فهم العميل وتقديم قيمة مضافة بشكل مستمر يمكن أن يضمن النمو والازدهار.

نموذج "الابتكار المستند إلى التقليد" ليس مجرد حلاً وسطًا بين الابتكار والتقليد، بل هو استراتيجية تجمع بين أفضل ما في العالمين لتحقيق النجاح. من خلال فهم العناصر الأساسية للنماذج الناجحة وتكييفها بشكل مبتكر لتلبية احتياجات السوق المحلية، يمكن للشركات الناشئة تحقيق تميز وتفوق في بيئة الأعمال التنافسية.